معدل البطالة في المغرب: الواقع، العوامل والتحديات البنيوية
تُعد مسألة البطالة من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد المغربي، لما لها من تداعيات اقتصادية واجتماعية مباشرة على الفئات العمرية المختلفة، وبشكل خاص على فئة الشباب والنساء. فمعدل البطالة لا يُعد مؤشراً تقنياً محضاً، بل يعكس ديناميكيات الاقتصاد، ويعبّر عن مدى فاعلية السياسات العمومية في توفير فرص الشغل وتحقيق نمو اقتصادي شامل. في المغرب، ظلت معدلات البطالة مرتفعة نسبياً خلال العقود الأخيرة، رغم العديد من البرامج والسياسات المعلنة، مما يثير تساؤلات جوهرية حول بنية سوق العمل، ومدى قدرة الاقتصاد الوطني على استيعاب الداخلين الجدد إليه كل سنة.
تطور معدل البطالة في المغرب
وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط (Haut-Commissariat au Plan – HCP) لسنة 2024، فإن معدل البطالة في المغرب بلغ 13% على المستوى الوطني، وهو ما يُمثّل ارتفاعاً مقارنة بمعدلات سابقة شهدت بعض التراجع في فترات معينة. كما تُظهر الأرقام أن معدل البطالة في الوسط الحضري بلغ 17.6%، مقابل 5.5% فقط في الوسط القروي، مما يبرز الفجوة الواضحة بين المدن والقرى من حيث فرص الشغل والبنية الاقتصادية.
في صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة، يصل معدل البطالة إلى ما يقارب 33.4%، وهو رقم مقلق يعكس عمق أزمة تشغيل هذه الفئة، التي تُعد من أكثر الفئات حساسية لأي تقلبات اقتصادية أو ضعف في فرص الإدماج المهني. أما بالنسبة للنساء، فإن معدل البطالة لديهن يناهز 19.8%، مما يعكس استمرار الإقصاء الهيكلي للنساء من سوق العمل.
توزيع البطالة حسب الفئات
| الفئة | معدل البطالة 2024 |
|---|---|
| المعدل الوطني العام | 13% |
| الوسط الحضري | 17.6% |
| الوسط القروي | 5.5% |
| الشباب (15-24 سنة) | 33.4% |
| النساء | 19.8% |
| حملة الشهادات العليا | 19.4% |
| الأشخاص بدون شهادة | 4.2% |
يُلاحظ من خلال هذا الجدول أن حملة الشهادات العليا يعانون من نسبة بطالة تفوق المعدل الوطني، وهو ما يُبرز ما يُعرف بـ”مفارقة التأهيل”، حيث لا تترجم المؤهلات الأكاديمية بالضرورة إلى فرص تشغيل، ما يضع المنظومة التعليمية في مرمى النقد من حيث مدى مواءمتها مع حاجيات سوق العمل.
الأسباب البنيوية لارتفاع البطالة في المغرب
1. النمو الاقتصادي غير الكافي
يُسجل الاقتصاد المغربي معدلات نمو تتراوح غالباً بين 3% و4%، وهي نسبة غير كافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الباحثين عن عمل سنوياً. ويرتبط هذا الضعف في النمو بعدم تنويع القاعدة الاقتصادية، حيث يظل الاقتصاد المغربي معتمداً بشكل كبير على القطاعات التقليدية مثل الفلاحة، التي تبقى رهينة لتقلبات المناخ، والصناعة التي تعاني من ضعف القيمة المضافة.
2. هشاشة سوق العمل
يتسم سوق العمل المغربي بقدر كبير من الهشاشة، حيث تُشكّل الوظائف غير المهيكلة أكثر من 70% من مجموع فرص الشغل. وهذا يعني أن غالبية العاملين لا يستفيدون من الضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي أو الحقوق النقابية، مما يضعف من جودة التشغيل، ويجعل من الصعب على الدولة قياس الديناميكيات الحقيقية للبطالة.
3. عدم تطابق التكوين مع سوق الشغل
تشهد المنظومة التعليمية في المغرب فجوة كبيرة بين مخرجاتها ومتطلبات سوق الشغل، سواء من حيث المهارات التقنية أو القدرات اللغوية والتواصلية. فالمقاولات تشتكي من غياب الكفاءات المتخصصة، بينما يعاني الخريجون من طول فترات البطالة أو العمل في وظائف لا تُناسب مؤهلاتهم.
4. ضعف الاستثمار الخاص
رغم الجهود المبذولة لتحسين مناخ الأعمال، لا يزال الاستثمار الخاص في المغرب دون الطموحات، حيث يُشكّل الاستثمار العمومي أكثر من 60% من الاستثمارات الإجمالية. كما أن العديد من المقاولات الصغيرة والمتوسطة تعاني من صعوبات في التمويل، مما يحد من قدرتها على خلق مناصب شغل مستدامة.
انعكاسات البطالة على المجتمع المغربي
تشكل البطالة عامل ضغط نفسي واجتماعي كبير على الأفراد والعائلات، وتؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والهشاشة والتهميش. كما أن بطالة الشباب، خصوصاً في المدن، ترتبط بظواهر اجتماعية مقلقة مثل الهجرة السرية، الإدمان، العنف الحضري، واللامبالاة السياسية.
وتنعكس البطالة أيضاً على النمو الاقتصادي العام، حيث يؤدي وجود نسبة كبيرة من السكان في سن العمل دون مساهمة فعالة في الاقتصاد إلى ضعف الإنتاجية وضياع الفرص التنموية. كما يُقلص من القاعدة الضريبية ويزيد العبء على الخدمات الاجتماعية العمومية.
السياسات الحكومية لمعالجة البطالة
قامت الحكومة المغربية بعدة محاولات لتقليص معدلات البطالة، كان من أبرزها:
– برنامج “أوراش”
أطلقته الحكومة عام 2022 بهدف توفير فرص شغل مؤقتة للمواطنين في وضعية هشة، من خلال مشاريع مؤقتة مموّلة من الدولة. وقد نجح البرنامج في تشغيل عشرات الآلاف، لكنه وُوجه بانتقادات بسبب غياب الاستدامة وضعف الأثر الطويل الأمد.
– برنامج “فرصة”
يهدف إلى دعم المبادرات الفردية وتمويل المشاريع الصغرى عبر منح مالية ومواكبة تقنية، ويُركز على المقاولين الشباب. رغم أهمية البرنامج في تعزيز روح المبادرة، إلا أنه لا يرقى إلى حل جذري لأزمة البطالة.
– تحسين مناخ الأعمال
تعمل الحكومة على تطوير البنية التحتية القانونية والمالية لتشجيع الاستثمارات الخاصة، لا سيما في مجالات الصناعة والتكنولوجيا والطاقة المتجددة، كجزء من الرؤية الاستراتيجية “المغرب 2035”.
التحديات التي تعيق نجاعة السياسات
رغم تعدد البرامج والسياسات، لا تزال العديد من العراقيل تعترض طريق معالجة البطالة بشكل فعال، ومن أبرزها:
-
البيروقراطية الإدارية التي تُعيق انطلاقة المشاريع.
-
ضعف التنسيق بين القطاعات الحكومية المختلفة.
-
قلة البيانات الدقيقة حول سوق العمل غير المهيكل.
-
الجمود في السياسات التعليمية والتكوينية.
المخرجات المستقبلية المطلوبة
لمواجهة أزمة البطالة بشكل جذري، لا بد من مقاربة شاملة تقوم على ما يلي:
1. إصلاح منظومة التعليم والتكوين المهني
ينبغي إعادة هيكلة البرامج التعليمية لتتماشى مع حاجيات الاقتصاد، خصوصاً في القطاعات الصاعدة مثل الذكاء الاصطناعي، الرقمنة، الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الحيوية.
2. تحفيز القطاع الخاص
من خلال تخفيض الضغط الضريبي، وتيسير الولوج إلى التمويلات، وتقديم حوافز للاستثمار في المناطق المهمشة.
3. تشجيع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
لما له من دور محوري في خلق فرص شغل محلية، خصوصاً في العالم القروي، وتعزيز الاندماج السوسيو-اقتصادي للفئات الضعيفة.
4. الاستثمار في البنية التحتية
خاصة في النقل، التعليم، والصحة، باعتبارها رافعات للتنمية وخلق فرص شغل مباشرة وغير مباشرة.
الخلاصة
معدل البطالة في المغرب يُعد من بين أبرز التحديات الهيكلية التي تؤرق الدولة والمجتمع على حد سواء. فرغم الجهود المتواصلة والإصلاحات المعلنة، لا تزال الأرقام المسجلة تشير إلى وجود أزمة حقيقية في سوق الشغل، تتطلب إصلاحات عميقة تتجاوز الحلول الترقيعية أو الظرفية. ومن دون مقاربة شمولية تدمج بين التحفيز الاقتصادي، تطوير التعليم، تمكين النساء، وتنمية العالم القروي، سيظل معدل البطالة في مستويات مقلقة، مع ما يصاحب ذلك من انعكاسات اجتماعية واقتصادية وخيمة.
المراجع:
-
المندوبية السامية للتخطيط – تقارير سوق الشغل 2024
-
البنك الدولي – تقييم أداء سوق العمل المغربي (2023)
